languageFrançais

الفيتو.. كيف يُوقف صوت واحد قرارات العالم؟

للمرّة السادسة تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن الحرب المستمرة في غزة، لتُجهض مشروع قرار يطالب بوقف فوري ودائم لإطلاق النار، وتمنع رفع القيود عن إيصال المساعدات الإنسانية. 

هذا المشهد لا يمثل حدثاً معزولاً، بل هو حلقة جديدة في سلسلة طويلة من استخدام الفيتو، الذي تم رفعه أكثر من 45 مرة لصالح الكيان المحتل، ليتحوّل من أداة لحفظ السلام إلى أداة تخدم مصالح القوى العظمى.

حقّ النقض هو "سلاح دبلوماسيّ" لا تملكه إلا خمس دول، قادر على شلّ عمل المجلس وإفراغ قراراته من أي قيمة، ليُصبح "سيف داموكليس" المُعلّق فوق رؤوس القضايا العالمية الأكثر إلحاحاً.

فما هو الفيتو؟ ومن يملكه؟ ولماذا أصبح يُستخدم بشكل مكثف لحماية الكيان المدعو ''إسرائيل'' على حساب فلسطين؟ وكيف يمكن لصوت واحد أن يوقف العالم؟

ما هو حق النقض (الفيتو)؟

يُعرّف "الفيتو" (Veto) على أنه حق النقض، وهو امتياز خاص يُمنح لدول معينة في مجلس الأمن الدولي. يُعد هذا الحق استثناءً من القاعدة العامة التي تتطلب موافقة 9 من أعضاء المجلس الـ15 لإصدار قرار. 

بموجب المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن اعتماد أي قرار يتعلق بالمسائل الجوهرية إلا بموافقة الدول الخمس دائمة العضوية. وأي صوت سلبي من إحدى هذه الدول يُسقط مشروع القرار فوراً، بغض النظر عن تأييد بقية الأعضاء.

نشأ هذا الحق بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تم تأسيس الأمم المتحدة. وكانت القوى المنتصرة في الحرب -الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي (روسيا حالياً)، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والصين- هي التي وضعت الميثاق. لقد أصرّت هذه الدول على امتلاك حق الفيتو لضمان عدم اتخاذ أي قرارات قد تتعارض مع مصالحها القومية، وللتأكيد على أن أي عملية لحفظ السلام العالمي لن تنجح إلا بتوافق القوى العظمى.

من يمتلك حق الفيتو؟

يقتصر حق الفيتو على الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن:

*الولايات المتحدة الأمريكية

*روسيا

*الصين

*المملكة المتحدة

*فرنسا


لماذا يسقط الفيتو القرار؟

نظام التصويت في مجلس الأمن ينص على أن القرارات المتعلقة بالمسائل الجوهرية (مثل القرارات التي تخص حفظ السلام والأمن الدوليين) لا تُعتمد إلا إذا حصلت على موافقة 9 من أعضاء المجلس الـ 15، بشرط أن تكون أصوات الدول الخمس دائمة العضوية متفقة.

هذا يعني أن أي صوت سلبي (استخدام الفيتو) من قِبل أي دولة من الدول الخمس الدائمة العضوية كفيل بإسقاط مشروع القرار، حتى لو كان يحظى بتأييد الأعضاء الـ 14 الآخرين.

هل موافقة بقية الدول لا تعني شيئاً؟

من الناحية الفنية، موافقة الدول الأخرى تعني الكثير، لأن مشروع القرار يحتاج إلى 9 أصوات مؤيدة على الأقل ليتم تمريره. ولكن في حال استخدام أي دولة دائمة العضوية حق النقض (الفيتو)، فإن هذا الصوت السلبي يمنع القرار من الصدور، وهذا هو جوهر قوة الفيتو.

هل يمكن رفع الفيتو على القرار ذاته عدّة مرات ؟

نعم، يمكن للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن استخدام حق النقض (الفيتو) على مشاريع قرارات مختلفة تتعلق بنفس القضية أو النزاع، وقد حدث هذا بالفعل في العديد من الحالات التاريخية.

لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يمنع دولة من استخدام حق الفيتو أكثر من مرة على الموضوع ذاته. وفي حال تم تقديم مشروع قرار جديد يتناول المسألة ذاتها بعد أن تم إسقاط مشروع قرار سابق بسبب الفيتو، فإنه يحق لأي من الدول الخمس أن تستخدم الفيتو مرة أخرى لإسقاطه.

هذا ما يفسر كيف أن بعض القضايا الدولية تشهد استخدام حق الفيتو بشكل متكرر، حيث تقوم دولة أو أكثر بإسقاط مشاريع قرارات متتالية، حتى لو كانت هذه المشاريع تحظى بتأييد واسع من بقية أعضاء المجلس.

مثال على ذلك:

القضية الفلسطينية: استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو عشرات المرات لإسقاط مشاريع قرارات متعلقة بالوضع في غزة والضفة الغربية.

القضية السورية: استخدمت روسيا والصين حق الفيتو عدة مرات لإسقاط مشاريع قرارات تدين الحكومة السورية أو تفرض عقوبات عليها.

الفيتو في خدمة الاحتلال الإسرائيلي

تُعتبر القضية الفلسطينية نموذجاً صارخاً لكيفية استخدام الفيتو في عرقلة جهود المجتمع الدولي. على مر العقود، عُرضت على مجلس الأمن مشاريع قرارات تدين ممارسات ''إسرائيل''، مثل بناء المستوطنات، والاحتلال العسكري، والانتهاكات الإنسانية، لكن هذه القرارات لم ترَ النور أبداً بسبب الاستخدام المكثف للفيتو.

وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأكثر استخداماً لحق النقض لصالح ''إسرائيل''. ومنذ عام 1972، استخدمت واشنطن الفيتو أكثر من 45 مرة لإحباط قرارات تتعلق بالقضية الفلسطينية. 

وبعض المصادر تشير إلى أن استخدام الولايات المتحدة للفيتو كان دائما وبشكل عام لدعم إسرائيل وضد قوانين تدعم حق الشعب الفلسطيني.

 

القرارات التي تم إحباطها بالفيتو الأمريكي كانت تتناول مواضيع مختلفة، مثل:

إدانة بناء المستوطنات الإسرائيلية.
المطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967.
وقف العنف المتبادل وحماية المدنيين.
إدانة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.
حماية الأماكن المقدسة.
المطالبة بقبول فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة.
 

هذا الاستخدام المتكرر للفيتو من قِبَل الولايات المتحدة يسلط الضوء على سياسة واشنطن الثابتة في دعم إسرائيل وحمايتها من أي مساءلة دولية، حتى في مواجهة الإجماع العالمي.

ويظل الفيتو أداة قوية في يد دول كبرى قادرة على تحويل القرارات الدولية إلى مجرد حبر على ورق. وفي قضية فلسطين، أصبح هذا الحق رمزاً لغياب العدالة الدولية، حيث يُستخدم لحماية طرف واحد على حساب حقوق شعب بأكمله. 

إن هذا السلاح الذي وُجد لحفظ السلم العالمي، أصبح اليوم أداة لعرقلة العدل، مما يطرح تساؤلات جدية حول فعالية مجلس الأمن ودوره الحقيقي في عالم ما بعد الفيتو.

 

*أميرة العلبوشي